أضاء الله في الكون شمعة
أنها
فـــــــــيروز
21/11
بعد أن قرأت تدوينة تتحدث عن طفلة أجبرها خالها على التسول في أحد شورع دمشق القديمة فتحت شهيتي مرة أخرى على الكتابة و قررت أنا أعود إلى تدوين أو أبدأ بتدوين ما تقع عليه عيني من واقع أمامي .
فتحت صحفة (word) و بدات أفكر بماذا أبدء و عن ماذا أكتب و بدل أن تأتي الأفكار عن تدوينات بدأت تهرب واحد تلو الأخرى و لأسباب غريبة كلما قررت أن أكتب عن شيء ما لا أعرف لماذا تأتي إلي ردود داخلية أنه (موضوع ما بيستاهل) أنه على غريب و جديد هذا العالم عالم التدوين فقررت فجأة و أن أبدأ بما فكرت أن أكتب الأشياء التي أشعر بها و تصادفني و كانت من هذه التدوينة .
و عدت مجددا لأفكر هل عالمي المحيط فارغ إلى هذا الحد لا رغبة لي أن أكتب عن السياسية ولا أكتب حب ولا انقد قرارات ولا حتى حملات للتضامن ... لا أعرف لماذا رأيت أن عالمي شحيح إلى هذه الدرجة و بارد ولا حرارة فيه مع أني أحمل في طيات الحياة ما يسمى بالمآسي أو التجارب الصعبة ما يشكل أرضية خصبة لأنتج أحزان على الورق و لكن تبقى ولكن و لا تتغير و سأنتظر أمطاري التي لم تآتي اليوم لكي تروي الشح الذي أنتابني و تدعم رغبتي في كتابة كلمات ما .
و أظن أن الغيوم بدأت تتلبد كما في صباح هذا اليوم و أول غيمة في سمائي كانت تدوينة من مدونة طباشير بعنوان
(من دمشق ( الحلقة الخامسة ) : خوف ، تشرّد ، عمالة أطفال ، أم ماذا ؟)
التي ذكرتها سابقا و أنا أنتظر الشتاء ...
كنت في أحد المرات أناقش أحد معارفي و هو محامي في عدة قضايا تثيرني في القوانين السورية ومنها موضوع جرائم الشرف و كيف ينظر القانون له وما هي نظرته الشخصية للموضوع وما رائيه في إلغاء المادة المخففة لهذا الجرم من القانون السوري
في الحقيقة صدمني جوابه أنه ليس مع إلغاء هذه المادة وانه من حق الزوج إذا رأى زوجته في وضع مريب مع رجل آخر أن يقتلها و استطال في الشرح أنه كيف لعقل رجل أن يدخل غرفة نومه و أن يجد زوجته مع رجل أخر ...
سألته هل القانون يعطي الأسباب المخففة ذاتها للمرآة فخرج علي ببعض التبريرات خلاصتها أن المرأة غير الرجل و أن الرجال من حقوقهم أن يتزوجوا أربع مرة فكيف لزوجته أن تقتله والتي معها ممكن أن تكون زوجته طبعا كانت مراوغة غبية لان من شروط تعدد الزوجات إخطار الزوجة وقال لي بالحرف (لو مرتوا مانها مقصرة معو بشي ما بيتطلع لبرا) ظن أنه أفحمني في البداية فقلت له (إي أكيد كمان لو ماكان مقصر معها بشي ما كانت اتطلعت لبرا ) لم يرد و بعد ذلك قلت له بما ان المشاعر عند المرآة أقوى منها عند الرجل فيجب إعطاء العذر للمرآة في هذه الحالات أكثر من الرجل لأنهم حسب الرأي الذكوري يملكون العقول الراجحة و المتوازنة والتي لا تنجر للعواطف الآنية كما يقال عندها فضل أن يغير الموضوع
و سكت .....
برزت في الآونة الأخيرة قرارات جديدة من قبل الحكومة في سوريا في اتجاه تعزيز علمانية الدولة السورية بدأت في منع دخول المنقبات إلى الجامعات والمعاهد وحتى دوائر الدولة و نهاية بقرار إزالة كل أشكال الصور و الكتابات و الرموز على السيارات بما فيها العبارات الدينية و الرموز والأشكال التي تدل على الديانة .
ماذا تريد أن تقول سوريا للعالم و هل فات الأوان :
إذا تسألنا عن الغاية السورية من هذه الإجراءات والقرارات في هذا الوقت فالغاية لن تكون أبدا إرضاء الغرب بتأكيد توجه نحو العلمانية و إنما الغاية هي تقليص المد الديني الذي بدأ يسيطر على المجتمع السوري بطريقة مثيرة للجدل و لخوف السلطات من تحول المجتمع بكليته إلى مجتمع متدين متعصب و إذا تبلورت هذه الصورة ستطفو على السطح تيارات دينية معادية للحكومة والنظام و ستخلق بلبلة في الشارع السوري كما يحصل في الشارع المصري على سبيل المثال لا الحصر .
مع أن تنامي التيار الديني بدأ في سوريا منذ زمن لكنه لم يظهر بهذا الشكل إلا بالسنوات الأربع الأخيرة و ساعد في ظهوره حرب العراق و أحداث أيلول و حرف أفغانستان في الشرق الأوسط عموما أما ظهوره بهذا الشكل في سوريا نتج عن عدة عوامل مساعدة أهمها الحكومة التي ربما سمحت بتنامي هذا الظهور كنوع من السياسة لكي تقول للعالم أن بديلها في سوريا سيكون حكومة مؤلفة فقط من الإخوان المسلمين (مع عدم قناعتي بهذه النظرية) كما أن السنة في سوريا قوة اقتصادية لا يستهان بها .
الخطر التي تراه الحكومة الآن هو خطر حقيقي و هي بدأت بالفعل بخطوات جدية لكي تكبح جماح المد الديني أن هذه الخطوات على اختلاف الآراء بصوابيتها و بأحقيتها لكن الحقيقي هو أننا وصلنا إلى المنطقة الحمراء التي من الممكن أن تغير الديموغرافية السورية المتنوعة إلى ديموغرافية بلون واحد .
و أخشى أن لا يكون للقرارات ردة فعل عكسية على الجمهور المتلقي لها و يبقى على الحكومة السير في حقل الألغام هذا بخطى حذرة و أن لا تظهر بصورة و كأنها تقوم بحرب ضد الدين و الفرق بين الفصل بين الدين والدولة و الحرب على الدين هو خيط رفيع للغاية .
مع بداية شهر رمضان تتسابق شركات الإنتاج و القنوات التلفزيونية لإنتاج وعرض المسلسلات على شاشاتها و ما ملكت أيمانكم أحد هذه المسلسلات و هو من الإنتاجات المثيرة للجدل في هذا العام بما انه يتحدث على موضوع له علاقة بالدين وهو من أخراج نجدة إسماعيل أنزور يتناول المسلسل كفكرة أساسية مبني عليها التعصب الديني ومع أنه من المبكر الحكم على المسلسل لكن من بدايته وجدت به ثغرات كبيرة في حبكته فالمسلسل يتحدث عن خطين دراميين متصلين ببعضهما بطريقة غريبة و متنافرين في الخط الأول يحكي لنا المسلسل عن عائلة متعصبة و متزمتة دينيا إلى درجة كبيرة و الخط الثاني يتحدث على امرأة و زوجها يديران شبكة من الدعارة و العلاقات المشبوهة وهي من العائلات لأرستقراطية و كانت هنا السقطة الأولى للمسلسل فهو بدأ بالتحدث عن نموذجين جاهزيين دون التطرق إلى كيفية الوصول إلى هذه الحالات و بالأخص إلى حالة التعصب الديني فوضعنا المخرج في قالب جاهز و كان من الأجدر أن تبدأ الحكاية بعائلة تتبنى أفكار المجتمع الذي تعيش فيه و تنتقل تدريجيا إلى حالة التعصب الديني مع إظهار الأسباب التي أدت إلى الوصول إلى هذه الحالة الفكرية و مع المؤثرات التي أدت إلى ظهور المد الديني .
و يصل المخرج الخط الأول بالخط الثاني بطريقة غير مقنعة تماما فيجمع كل أطراف الحكاية في معهد اللغة الإنكليزية فتكون الفتاة التي هي محور القصة (سلاف معمار) المنتمية إلى العائلة المتعصبة في نفس المعهد مع غرام (رنا الأبيض) التي تدير شبكة علاقتها المشبوهة !!!
و في الحلقة الخامسة يصدمنا المخرج بحمل إحدى الفتيات من الشاب المتعصب جدا دينيا (مصطفى الخاني) وهي فتاة (سافرة) وجميلة وهو وفي أبشع مظاهر التعصب الديني في الشكل والفعل !!!! و الخرج حتى الآن لم يعطي كيفية حصول العلاقة كما أنه يظهر هذه الشخصية سلبية ولكن بطريقة غريبة فيجعل منه شخص يسترق النظر إلى صديقة أخته بطريقة غريبة كان من الأجدى معالجة الشخصية بطريقة تكون بعيدة عن هذه الاستفزاز و السطحية و أن يدخل في العمق الحقيقي للشخصية .
ويقدم المسلسل خطوط أخرى و يظهر لنا عائلة عراقية و صعوبة معيشتها مما يضطر الأم للعمل كخادمة و الفتاة تخرج بالسيارت مع الشباب كما يقدم شخصية الفتاة الفقيرة (ديما قندلفت) و كيف تبدأ بمسيرة الانحراف والظروف التي أدت بها إلى هذا الطريق و في سابقة من نوعها في المسلسلات السورية يظهر لنا المخرج العلاقات المثلية لكن دون معالجتها ولكن طرحها بصورة غريبة و مفاجأة و بطريقة بعيدة عن المنطقية فيظهر في أحد المشاهد أن شابين في المدرسة الثانوية أحدهما فقير و الثاني ميسور الحال و يطلب الغني من الشاب الفقير أن يسبقه للحمام لكي يفعلا ما تعودا أن يفعلاه فيرفض الشاب الفقير ويستغرب من رفضه الشاب الغني و يعرض عليه الذهاب إلى مكان آخر إذا كان خائفا أن يرهما أحد فيرفض أيضا فيقول له الشاب الغني أنه لن يستطيع العيش ببحوحته المعهودة في إشارة انه كان يتلقى المال مقابل الجنس و هنا تجاهل المخرج كل الأبعاد النفسية لهذا الموضوع و حصره ضمن حبكة أقرب للسخافة . لعل المخرج لم ينجح في تقدم الصورة المتكاملة لقصصه في هذا المسلسل سوى عندما طرح موضوع القبيسيات فالشكل الخارجي والحديث و المكان كانت أجراء متكاملة لتقدم قصة محبوكة بطريقة هي الأقرب للحقيقة
هذا فقط خلال خمس حلقات فالمن الممكن ان يقدم المخرج في الحلقات المقبلة حلولا للنقاط التي ذكرتها . ومع كل هذه من المبكر الحكم على المسلسل ككل و يبقى المسلسل من المسلسلات الجيدة هذه السنة .
عندما قرأت عن القرار للمرة الأولى رائيته قرارا صائبا و يدعم بطريقة ما الصورة التي أحب أن تكون سوريا عليها و لكن عند قراءتي لأسباب القرار كانت بعيد عن الأسباب التي أنا أراها و التي يجب لأجلها منع النقاب لا في المؤسسات التعليمة فحسب بل في كل الأماكن
فمن الأسباب المطروحة أن الدراسات أثبتت أن لقسمات الوجه دور كبير في إيصال المعلومة للطلاب وهذا أحد الأسباب المطروحة من قبل الحكومة ، و كما قال مفتي الجمهورية أن النقاب بعيد عن عادات المجتمع السوري ويخرج من إطار العادة ليصبح عبادة و أخيرا أحد الوزراء قال لأسباب أمنية ،
و أنا من السبب الأخير أجد أن قرار الحكومة منقوص إذا كان السبب الأخير من أحد الأسباب المؤدية للمنع فنحن نفهم أن الأسباب الأمنية قد تكون و بأبسط صورها دخول أحد الإرهابيين متخفيا بلباس النقاب إلى أحد المؤسسات التربوية و يقوم بعمل إرهابي ما و لكن بنظرة بسيطة يمكننا القول أنه من الممكن جداً أن يتنكر أحد الإرهابيين بهذا الزي و يدخل أي تجمع بشري كالأسواق و المراكز التجارية و و و بنفس الطريقة و ينفذ ما يريده فإذا كانت الدواعي أمنية لمنع النقاب في المؤسسات التعليمية فلا أظن أن هذه الدواعي تزول خارج هذه المؤسسات و عليه فيجب أن يمنع النقاب في كل الأماكن العامة .و طبعا هذا موضع شائك في سوريا بسبب صعود موجات دينية لم تعالج منذ البداية و تركت لتأخذ هذه الصورة فالكم الهائل من الدعوات الوهابية تنهال بشكل جنوني عن طريق الفضائيات التكفيرية و المختصة بسباب الطوائف بعضها إلى بعض أو من خلال الانترنت و المنتديات والمواقع الخاصة بتنمية الفكر الديني المتعصب و كما لا ننسى بالطبع الحال المتردي للمواطنين من فقر وعوز أدى بهم إلى الاتجاه للدين بطريقة أو بأخرى للخروج من أزماتهم .
و بعد الزوبعة التي أثارها قرار منع ارتداء النقاب في سوريا في المراكز التعليمية (جامعات – معاهد - مدارس) تحدث البعض عن صعود للدولة العلمانية في سوريا على اعتبار أن النظام الحكم علماني .
أن الصورة العلمانية لأي بلد لا تؤخذ كون نظام الحكم علماني أو يميني أو يساري فهي تؤخذ و بشكل مباشر من المجتمع و إذا كان ها المجتمع بصورة عامة علمانيا أو دينيا أو غير ذلك و هذه القانون ينطبق على سوريا فنظام الحكم فيها علمانيا كما يقال و لكن في نفس الوقت الدستور يقول بأن مصدر التشريع هو الإسلام و دين رئيس الجمهورية الإسلام غير أن المحاكم الشرعية قائمة لحل الخلافات الزوجية والزواج والطلاق و الأحوال الشخصية فنحن حتى الآن بعيدين عن فانون مدني كما لدينا قانون أحوال شخصية من القرون الوسطى عندما قرروا تغيره وضعوا قوانين من العصور ما قبل الحجرية .
فهنا المجتمع يحدد صورته التي هو عليها طبعا و هذا يتأثر بعوامل متعددة مثلا في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي كان بالإمكان ولو بصرة بسيطة القول أن المجتمع في سوريا أقرب إلى العلمانية ذلك نتيجة صعود نجم الاشتراكية في حينها و تبني نظام الحكم وقتها الأفكار الثورية و الاشتراكية و انحسار التيار الديني سياسيا
و هذا الحال بدء بالتغير و ظهر التغير جليا منذ بداية تسعينيات القرن الماضي والحال الآن بدأت صورة العلمانية تخبو في وسوريا و صعدت التيارات الدينية التي كان في صعودها في بعض الأحيان مصالح حكومية كما كان للأحداث على الساحة العالمية دورها الفعال من جعل أفراد المجتمعات المسلمة متهمون ومستهدفون فقط لأنهم مسلمون و أدت إلى ردت فعل لديهم أحدها و أبرزها التعصب الديني.
إن عودة المجتمع العلماني أو بناء مجتمع علماني يتطلب الكثير من الجهد وفي مرات عديدة أقول أن الفرصة في سوريا قد فاتت على التغير ولكن أعود لأكتشف أن هناك فرصة كبيرة ولكن بحاجة لقرارات جريئة من قبل الحكومة قبل الشعب .